صناعة العطور فن حقيقي بدون كلام
«العطور هي الفن الوحيد الذي لا تقال فيه كلمة حقيقة»،كلمة قالها تورين مؤلف كتاب «العطور: الدليل» ورغم أنه كان يقصد بذلك المجاملات والدعايات التسويقية وغيرها، إلا أن البعض يري في قوله الكثير من الصحة ، لأن اختيار العطر يخضع لحالة شخصية، تعتمد على الذوق الخاص والمزاج ، وعلى هذا الأساس، تؤكد كورين ماري توسيلو، المتخرجة في مدرسة العطور بمدينة جراس الفرنسية «عاصمة العطور» بحسب صحيفة "الشرق الأوسط " أن صعوبة اختيار العطر تساوي تماماً صعوبة تصنيعه ، وتضيف إن صنع عطر جديد يشبه عملية الطهي «فأنت تخلط مكونات مختلفة لتنتج شيئا مختلفا تماماً».
فعدد المواد العطرية التي يحتويها العطر الواحد، كما تقول: «تتراوح ما بين 50 و150 مادة. والتوليفة أهم بكثير من العطور الفردية».
وأضافت أن العطور المكونة من عدد مواد أقل يتراوح عددها ما بين 25 إلى 30 مادة، هي السائدة في الأسواق حالياً، إذ يبدأ مبتكر العطر بعدد كبير من المواد العطرية، يقللها خطوة بخطوة، بحذر شديد لأنه لا يعرف ما إذا كان سيفقد شيئاً أساسيا ومهما أم لا.
وتروي ماري توسيلو كيفية ولادة عطر جديد قائلة : «يكون لدى العميل فكرة، وقد تكون لديه أيضا وصفة يعطيها لصانع العطر. و قد تستغرق العملية شهراً أو أكثر، يقوم بعدها صانع العطر بتوصيل العينات إلى العميل، الذي يقرر نوع العبير الذي يريده». و تشدد على أن هناك منافسة قوية بين صانعي العطور وضغوط أكبر على ابتكار الجديد الذي سيلقى صدى طيباً في الأسواق.
ومن هنا تنصح ماري توسيلو، المستهلكين، باختيار العطر المناسب لهم بقولها: «تعرف من اللحظة الأولى لاستنشاقك له ما إذا كنت تحبه أم لا، بعض العطور تحوي شيئاً أو خلاصة معينة تجذبك رغما عنك ، وإذا شممت عينات عدد مختلف من العطور ستجد أنك تنجذب دوماً لعطور قريبة من بعضها ، حيث تكون من نفس العائلة العطرية، كتلك القريبة من الفاكهة مثلا، أو التوابل أو الفانيلا أو الأخشاب، وبالتالي كل ما يبقى أمامك أن تبحث في هذه المجموعة حتى يقع اختيارك على العطر الذي تحبه».
أما النصيحة الأخيرة التي تقدمها ماريس عند اختيار العطر هي أن نختبره على قطعة قماش قبل أن نجربه على الجلد لأن رائحة العطر تتفاعل مع البشرة، تماماً كما أنها تختلف حسب اختلاف نوع البشرة.
فلسفة الدار
مثل «ميسوني» تعكس عطور تومي هيلفيجر فلسفة الدار ، وما تقوم عليها من تحقيق الحلم الأميركي. لأن المراد من هذا العطر، كما يقول المصمم ، أن يحملك بعيداً إلى عالم كله أحلام ، أو على الأقل إلى عالم تتحقق فيه الأحلام. فهذه الأخيرة أولاً وأخيراً من بنات أفكارك ، وتعكس خصوبة خيالك، وكل ما يفعله هذا العطر أنه يعزز كل الأحاسيس اللذيذة بداخلك ، ويحفزك على تحقيق ما تصبين إليه. مكوناته خليط من المشمش والفريزيا والأخشاب الثمينة.
عطر «دارلينغ روز» كل معاني الرقة
كما يدل اسمه «وردتي الحبيبة» فهو موجه للمرأة، ويتضمن كل معاني الأناقة الدافئة والرقي الشرقي، بدءاً من تصميمه إلى خلاصاته. فهو مزيج من شذى الأزهار والمسك وعبق الشرق، مثل الجيرانيوم، الليمون، الياسمين، اليولانغ يولانغ، وكلها عناصر تتناغم بشكل ساحر مع خلاصات البتشولي، الفانيلا والصندل والمسك.
عطر «فرساتشي بور أوم» لرجل قوي
قالت المصممة دوناتيلا فرساتشي إنها أرادت عطرا ديناميكيا وقويا لرجل جذاب وواثق بنفسه، ومن هذه الفكرة ولد هذا العطر، الذي مزجت فيه أساسات من حوض المتوسّط، بدءا من عشبة الخنشار، وليمونُ البرغموت إلى نبتةَ إبرة الراعي وعشبة النيرولي. وتم جلب الفاكهة الحمضية من قرية ديامنتي في منطقة كالابريا الإيطالية، كذلك أوراق شجرة البرتقال المر وبراعمها إلى جانب رحيق الأزهار والعناصر المعدنية، كالقصعين وزهرة الياقوتية الزرقاء، وأخشاب الأرز وعود البخور والكهرمان والمسك. وهذه كلها خلاصات تخلف انطباعا قويا ومثيرا في الوقت ذاته.
عطر «ميسوني»
عطر ميسوني الجديد
ألوان «ميسوني» للربيع والصيف كانت تضج بالألوان المتوهجة، وهو ما انعكس علي هذه المجموعة التي أطلقت عليه عنوان «ميسوني كولوري» وتضم أربعة عطور هي: «روزا»، «جيالو»، «أرانشيو»، و«جياندوي». وعلى الرغم من أن كل واحد منها بشخصية مختلفة، إلا أن الجديد فيها أنه بالإمكان استعمال واحد منها أو أكثر من واحد، وبهذا توجد المرأة الشذى الذي تريده ونسبة القوة التي تتوخاها.
ولأنا في فصل الصيف يؤكد أطباء الجلدية أن العطور قد تكون في هذا الفصل سلاحاً ذو حدين ، لأنها من الممكن أن تترك علي الجلد أثاراً وبقعا إذا أسيء استخدامها.
ولذلك يشير الدكتور محمد عبد القادر حسين أخصائي الأمراض الجلدية, أن العطور لأنها تحتوي علي زيوت طيارة تستخرج من أصول نباتية مثل الياسمين والفل رائحتها زكية يكون تأثيرها علي الجلد ضار جداًَ إذا تم التعرض لأشعة الشمس بعد التعطر مباشرة ، حيث يصاب الجلد بالاحمرار والالتهابات المصحوبة بحكة, وبعد أيام تنحسر الالتهابات لتخلف بقعة بنية اللون تختلف درجة قتامة لونها بحسب درجة تركيز الزيت الطيار المستخدم, ورائحة العطر تتأثر بعوامل عديدة تتعلق بالمرأة كحال بشرتها وجلدها ونوعية الطعام الذي تتناوله, فتناول أطعمة كثيرة التوابل ينعكس علي رائحة العرق وبالتالي رائحة الجلد وهذا ما يفسر إحساس البعض بالاختناق أو الاشمئزاز من بعض العطور ذلك لأن المرأة لم تراعي النظافة الشخصية ولم تتخلص من العرق قبل وضع العطر.
ويقدم د . محمد عبد القادر بعض النصائح عند اختيار ووضع العطر :
* اختاري العطر الذي يلائم شخصيتك ويشعرك بالراحة.
* عند استخدامك العطر لابد من أن يكون الجسم نظيفا, الاستحمام بالطبع أفضل, ولكن التنظيف بمنشفة في الأماكن التي يكثر فيها العرق واجب أيضا, فاختلاط العطر برائحة العرق سيأتي بنتيجة عكسية.
* أفضل الأماكن التي يفضل وضع العطور عليها هي أماكن النبض في الجسم, ومن هذه الأماكن الثنية الخلفية وراء الركبة, وتجويف الذراع في مواجهة الكوع, والمنطقة الواقعة خلف الأذنين وعند جذور الشعر من الخلف لينتشر العطر مع كل حركة للشعر.
وينصح د. محمد عبد القادر أن تتذكري أن العطر لبهجتك أولا, فيجب ألا يكون الهدف منه لفت النظر إليك بقدر إسعاد نفسك به, فضعي القليل منه حتى لا يفوح عطرك في كل مكان مما قد يصيب المحيطين بحالة من الضيق, خاصة إذا كان منهم من يعاني أمراض الحساسية.
العطور ليست ابنة اليوم ولا الأمس ، لكنها صناعة تعود إلى عمق التاريخ مهدها الشرق ،
ويعزو العلماء ذلك إلى أن الشعوب ذات البشرة الخمرية والداكنة والعيون السود تتميز بحاسة شم قوية ،
إلى جانب أن العطر له خاصية الرطوبة إذا ما نثر في جو دافئ لأنه يخفض من الحرارة
من خلال صده للأشعة الساخنة .
وعن العرب قال قديماً المؤرخ اليوناني " ديوينز يوسي :
إن المرء يشم شذى الطيب عندهم في كل مكان .
عشق العرب الطيب وضمخوا به أجسادهم وأغتسلوا بماء الورد
ونثروه في مجالسهم وأفراحهم .. وعن الرسول صلى الله عليه وسلم
.. أنه عندما خطب خديجة وأجابته ، استأذنت أباها فأذن لها فنحرت بعيراً
وضمخت أباها بالعبير وكسته برداء أحمر .
وفي تاريخ العرب كان العلامة أبن سينا رائداً في صناعتها
فقد استطاع في القرن الرابع الهجري استخلاص العطر من الزهور
في فصل الربيع بواسطة التقطير ، فقد سخن بتلات الورد في الماء
وتمكن من فصل الزيت وحفظه ، وبذلك توصل إلى عطر دائم الأثر ،
وكان لاكتشافه أثر التغيير الجذري في هذه الصناعة
التي تطورت بعدها في استخلاص العطر من غزال المسك
بواسطة غدة صغيرة قريبة من موضع وسط بطنه ،
وتوصل العلماء بعد ذلك إلى إزالة هذه الغدة دون قتل الحيوان ..
ولأن للمسك خاصية كيميائية تجعله مادة مثبتة للعطور
دخل كمادة أساسية في صناعة العطور جميعها ،
ولكي ندرك مدى الجهد المبذول من جانب الصانع
وما تقدمه الزهور من تضحية في سبيل الإنسان ،
فعلى سبيل المثال يحتاج انتاج نصف كيلو من زيت الياسمين
إلى 2,5 مليون زهرة ياسمين أي ما يعادل 150 كيلوجراماً .
والعطور .. أي " البارفان " الذي يعتبر أرق هدية لابنة حواء أنواع ..
فهناك " البارفان الحمضي " ويستخرج من زهور الليمون والبرتقال
ويتميز بقوة تأثيره وقدرته على الإنعاش وترطيب الجسم
ويناسب البشرة الدهنية ، وهناك " البارفان الزهري "
المشتق من أنواع مختلفة من الزهور سريعة الذبول
وهو عطر خفيف يتبخر سريعاً ..
أما عطور النباتات الخضراء
المستخلصة من زيت الصنوبر والأرز
والسيقان العطرية فتتوافر في الأجواء المعتدلة ،
وتعود صناعة العطور الصناعية بالغة التعقيد إلى أربعين سنة مضت فقط ،
وتتميز بمحاكاة رائحة العطور الطبيعية ،
ويستخدم في تركيبتها مزيج من القرفة والفانيليا والزنجبيل ،
وكل جديد يراه الخبراء إضافة وتميزاً للعطر في الأسواق .
يعد المسك والعنبر المشتقان من الأصل الحيواني
أكثر أنواع الطيب انتشاراً في الشرق ، والمسك يوجد في مظهرين ..
الأول جاف على هيئة بلورات أو سائل دهني من لونين الأبيض والأسود ،
والأخير أكثر جودة وتأثيراً وينتشر بشكل واسع في المناطق الجبلية
من شمال بلاد الهند وفي أواسط آسيا والصين خاصة في التبت ،
وقد ذكر القرآن المسك في سورة المطففين في " الآية 25 "
في وصف شراب أهل الجنة :
( يسقون من رحيق مختوم ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ) ..
صدق الله العظيم .
أما العنبر وهو مادة شمعية في داخل القناة الهضمية لحوت العنبر
فتطفو على سطح البحار الاستوائية ويستخلص منها دهن العنبر الثمين ،
وهناك دهن العود الذي يستخلص من شجرة في الهند خشبها ابيض
إذا مرضت وأصابها الذبول تفرز مادة زكية الرائحة .
وإلى جانب العطر الحيواني والنباتي هناك زيوت عطرية
من مصادر أخرى يكتشفها العلماء من فترة لأخرى ،
وكان أحدث ما فيها عطر يشتق الآن من الأحجار الكريمة
وخاصة الزبرجد ، لكنه مرتفع الثمن بشكل كبير .
في قراءة لأوراق التاريخ العربي نجد أبا طالب يبيع العطر ،
واشتهرت لطائم النعمان قوافل من الإبل تحمل تجارته في الطيب والمسك .
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يتمنى لو اشتغل ببيع العطور ،
ومن اقواله في هذا المجال :
" لو كنت تاجراً ما اخترت غير المسك فإن فاتني ربحه لم يفتني ريحه " ..
وكانت أسماء بنت مخربة أم أبي جهل في قبيلة قريش
أشهر من يبيع العطور من النساء في مكة ،
وكان ابنها عبدالله يبعث إليها من اليمن لشراء كميات منها للتجارة في الهند .
وكان سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم
يحب الطيب ويستعمله ويوصي باستخدامه ، وكان يتطيب في الحل والإحرام ،
ويقال إنه كان لا يرد الطيب وكان يوصي عليه الصلاة والسلام ألا يرد أحد الريحان
لأنه خرج من الجنة ، وكان الصحابة يضمخون أجسادهم وشعورهم ولحاهم بالطيب ،
فإذا خرج أحدهم إلى المسجد عُرف من طيب رائحته .
وفي أيام ظهور الإسلام كانت للرجال عطور مشتقة من المسك والعنبر
والعود والكافور والذريرة ، أما النساء فكان عطرهن من الخلوف والزعفران ،
وكانت نساء العرب ينثرن العطور على الفرسان إذا ذهبوا للحرب ،
والأمثلة العربية في هذا المجال جاء منها
مثل " يوم حليمة " ويقول : " ما يوم حليمة بسر "
وكانت ابنة لملك الحيرة المنذر بن ماء السماء ، وكانت من أجمل النساء وأذكاهن ،
وقد أشارت على والدها بأن تجعله يأذن لها بأن تطيب
كل من مر بها من جنده وذلك ليعرف الجنود بعضهم من رائحته
إذا غاب فريق منهم عن الاخر ..
وجاء في المثل العربي " أشم من عطر منشم " ..
ومنشم هذه امرأة من قبيلة همدان كانت تشتهر بتجارة العطور
وكان الجنود يتفاءلون بعطرها قبل الذهاب إلى المعارك ..
ومن الأمثال " لا عطر بعد عروس " ..
وهو اسم رجل كانت أسماء بنت عبدالله العذرية زوجة له وعاجلته
المنية فتزوجت من بعده برجل بخيل لا تطيق رائحته
فقالت قولها عنه : " لا رائحة بعد رائحة عروس " .